مريم - أم
كلما أتكلم عن ابني ماهر أشعر بقوة اخلاقية ووطنية وعزم. وإذا سنحت لي الفرصة أن أراك ثانية، كل ما سأقوله لك هو " انا مشتاقة لك، انت حبيبي ووطني، اشتاق الى ضمّك، ويا ريتك ما رحت". كل ما أريده من قضية ماهر وقضايا كل المفقودين هو أن يتحرك المجلس النيابي ويعمل في كل تلك القضايا، فكلنا تحولنا الى امهات واهالي مفقودين وفلا تقسمونا الى مذاهب وطوائف فجميع الطوائف خطف منها وقتل منها ولكن ما يجمعهم أنهم لبنانيون.
مريم - أم
هناك الكثير من الذكريات التي اشاركها مع ماهر؛ ففي أحد الأيام، وجدته يلعب باطار السيارة وخرج متسخاً كله – وجهه ويديه – مما أفرحني كثيراً لأنني شعرت أنّ ماهر كبر وبات رجلاً.
أتذكر أيضاً عندما خرج ماهر ببذلة بنيّة اللون آخذاً السيارة يجول بها في الأحياء، وبعد قليل عاد والجاكيت على ساعده، يطأطئ رأسه .. قائلاً لي أنّ سيارته ارتطمت بسيارة أخرى وأن صاحب السيارة يريد وليّ أمر ماهر. فلم أغضب واصطحبته الى مكان الحادث ومازحت سائق السيارة الاخرى قائلة: " لو لم تركن سيارتك هنا، لما ارتطم بها ابني ! " فما كان من السائق الا ان خجل وتحمل نصف المسؤولية – علماً أنّ ماهر كان المتسبب بالحادث. وبعد ذلك عدت وماهر الى المنزل و شربنا القهوة سوياً ولم أوبخه أو اعاقبه .و أيضاً كنت أواكب سجله المدرسي بدقة، وحال لم ينجح في إختبار ما، كنت اتوجه الى مدير المدرسة لابداء ملاحظاتي.
وفي إحدى المرات، نام ماهر بين يداي وكنت أمسك بالسيجارة باطراف أصابعي، فلم أشأ بأن أوقظه لاطفاء السيجارة، بل فضلت ان أحرق أصابعي بالسيجارة على أن أزعجه". وأيضاً في إحدى المرات، وبعيد اشتعال الحرب، دفعت الغالي والنفيس لاصدر جواز سفر لماهر وترغيبه بالسفر الى الخارج، رفض قائلاً: "لا اريد، اذا شئتِ فسافري انتِ، انا اريد الدفاع عن وطني، اسرائيل امامنا والبحر من ورائنا. ولكن آخر ذكرى له تلخص بصورة في الممر الرئيسي في البيت، في ليلة وداعه والتحاقه بالمدافعين عن كلية العلوم.
مريم - أم
أثر إختفاء ماهر كثيراً في، إذ كنت أملك معملاً لالخياطة، وعندما إختفى ماهر، كنت أخرج لأبحث عنه وكنت انضم إلى المظاهرات الداعية إلى إعادة المخطوفين، وبسبب كل ذلك اضررت شيئاً فشيئا إلى ترك ذلك المعمل. ولكن ترك ذلك المعمل لم يكن شيئاً أمام الجرح الكبير والعجيب الذي خلفه فقدانه بي، فقد كان ابني البكر. وكان الصديق والإبن والحلم، وقد قتل هذا الحلم. فقد بات كل إهتمامي وتفكيري والقلقي متعلق بماهر.
وقد سمعت الكثير من الشائعات، ولا أدري لماذا كنت أصدق تلك الأقوال، فأيامٍ كنت أحس بفرحٍ شديد وأيامٍ أخرى كنت أحزان كثيراً من الأخبار التي كانت تصلني. ولكن كنت أعيش كل يومٍ جرح كل مفقود الذي تسجد بالنسبة لي جرح الوطن بأكمله. وفي يومٍ، طلبت مني الدولة في تسجيل ماهر في خانة المتوفّى ولكن بعد فترة طلبت مني عدم فعل ذلك. كما أنها طلبت تصنيف ماهر من ضمن صبغة معينة من المقاومة مما أثر – برأي – على عدم حصولي على بعض الحقوق كقروض الاسكان وغيرها.