يوسف عبد الرزاق

محسن - ابن

كانت الحياة آمنة بوجود والدي فكان يؤمّن لي وللأخوتي كلَّ ما نتمناهُ أو نطلبهُ. وفجأةً وبدونِ أي سابقِ إنذارٍ فُقِدَ والدي وفُقدت معه طفولتنا. فبعد أن فقدناه لم نستطع مواصلة عيش طفولتنا، أو ما قد تبقى منها. فمثلاً عيد الفطر المبارك: منذ ان كان عمري 11 سنة إلى يومنا هذا لم أستطع أن أحييه أو حتى أن أشعر به. حادثة فقدان والدي قلبَت حياتي وحياة أسرتي رأساً على عقب. منذ حينها اضّطرت والدتي أن تأخذ دورَ الأمُ والأب في آنٍ واحد. ورغم جدّية محاولتها وإخلاصِها في ذلك لكن الظروف كانت صعبة جداً وكانت فوق طاقتها. فلم يعد يوجد لدينا مدخول وتهجّرنا من بيتنا وسكَنَّا عند خالتي في مخيم صبرا وشاتيلا ومن بعدها تهجّرنا من هناك أيضاً وأرسلونا إلى منطقة الدامور حيث سكنّا في منزل لا يوجد فيه أيّة نوافذ أو شبابيك. وبينما كنا في ذلك المنزل أتى الإجتياح الإسرائيلي ومجدداً تم تهجيرنا من هناك. أقل ما يمكن قولهُ هو أنهُ بعدَ أن فُقدَ والدي أصبَحت الحياة صعبة جداً...
والدتي لم توفر أحد كان لديه معارف أو "واسطة" مع الأشخاص المسؤولين عن المجموعة التي أخفت والدي. فبمجرد أن كانت تسمع عن زعيمٍ ما أو رجل دينٍ ما يُحتمل أن يكون لديه معلومة أو موْنة على هؤلاء الأشخاص، ذهبت إليه وحاولت الحصول على معلومات منه وطلبت منه التوسّط لمعرفة مصير والدي. ولكن كل ذلك كان بلا فائدة وبلا نتيجة.
قبل اختفاء والدي كان واقع عمله يحكم عليه بأن يكون كثيرَ السفرِ. فكانَ يَغيبُ مُدة 6 أشهر ويَعود إلى لبنان حيث يقضي معنا (أي عائلته) ما تَيَسَّرَ له من الوقت قبل أن يَضّطر أن يسافرَ من جديد. كان يبقى في لبنان مُدة أسبوعيْن أو شهر أحياناً وأحياناً أخرى مُدة يوميْن أو ثلاث.